- ابراهيم كتب:
- يخاف بعض الأخوان من الدخول فى كلام الصالحين بدعوى أن مولانا الشيخ اكد على عدم الخوض فى علوم الحقيقة لتلافى الفتن والأختلاف فى التدارس, فما رأيكم فى هذا الأمر ولاسيما أن كلام الصالحين يحمل وجوه كثيرة ولو أخذ بظاهرة فقط لكانت الأشكالات أكبر ز
أخى الحبيب لقد قرأت طرحك و لقد تعجبت فيه ! فقولك يا اخى الحبيب ان بعض الاخوان يخافون من الدخول فى كلام الصالحين بدعوى ان مولانا الشيخ اكد على عدم الخوض فى علوم الحقيقة لتلافى الفتن و الاختلاف فى التدارس .
ثم تسأل من بعد ذلك بقولك ( فما رأيكم بهذا الامر )?
و هنا كان تعجبى فهل يكون للمريد رأى فى أوامر شيخه و نواهيه له ؟
فلعلك هنا تتفق معى ان هذا ليس هذا من اصول اهل التصوف . فإن نهانا الشيخ عن الدخول فى كلام الصالحين فانا قد انتهينا .
ولكن السؤال هنا
هل نهانا شيخنا بالفعل عن الدخول فى كلام الصالحين كما يدعى البعض أم انه امرنا بطرق كلام الصالحين و الدخول اليه و فيه و استخلاص الجواهر منه ?
يجيبنا عن هذا كلام شيخنا فهيا بنا نعرض سؤالك و سؤالى على كلام شيخنا و لنرى ما هو الجواب .اولا :
الزعم بان الشيخ اكد على عدم الخوض فى علوم الحقيقة لتلافى الفتن و الاختلاف فى التدارس .
فهل كلام الشيخ حق و علوم الشيخ هى علوم الحقيقة ام لا؟
يجيبك مولانا الامام فخر الدين الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى فى ديوانه شراب الوصل فيقول :
1/53 الحـــــق مــــــا احبــــــوه منـــــــ ** ــظومـــاو لســــت بشـــــــــاعـر
236/1 و قــــولى حــق اولا ثم اخــــــــرا ** و ما كان صياح الأباطل مسكتى
312/1 فالحـق مــــا قلنــا معينــا نابعـــا ** لاينتهى قــد أخبــــرت بـــــائيتى
6/42 أقــــول الحق ان الحــق قــــولى ** و غير الحــــق ينقص او يــــــــزيد
4/52 إذا قلنــــــــا فتحقيـــــق و حـــق ** و لا يغنى عن التحقيــــــــق ظن
36/2 لو أن من خطب الحقيقة جاءنى ** فبلا عنـــــاء عندهــــا يلقـــــــانى
16/77 لكــن حقــــــا جئته من علمنــــا ** كتموه حتى خـــاض فيه المــجرم
25/56 تــــــــأدب لا تدثرهــــــا خفـــــــاء ** فإن الحــــق ما شئنــــا و قلنـــــا
16/41 ألا فلتعلمــــــــــــــــــــوا اميــــــن ** و انى فى الحقــــائق مذ ولــــدت
17/76 لسنا سوى أهل الحقائق يا فتى ** و الــــدين عند الله حسن المقصد
17/7 و اعلم بنى بـــــأن قولى صــادق ** فأنا و آلى بالحقــــائق نــــاطقين
فإذا خلصنا مما سبق بأن كلام الشيخ حق و ان علومه هى علوم الحقيقة .
فعند هذه النقطة ان كان صح الزعم بان الشيخ ينهانا عن الخوض فى علوم الحقيقة فانه بالتأكيد سوف ينهانا عن كلامه و علومه و عن التدارس فيها .
الا انه يا اخى الفاضل و بنظرة بسيطة على كلام مولانا الشيخ تجد أن الامر بخلاف ماذكرته على لسان البعض اختلافا ليس بهينا حتى يلتبس الامر علينا و لكنه اختلافا بينا حتى ينجلى الحق الينا .
فمولانا الشيخ قد أمرنا بالتدارس فى علومه و اقواله و أعلى من شأن من يقومون بالتدارس و لام من تقاعسوا عنه .
فتجد مولانا الشيخ يحثنا على التدارس و يثنى على المتدارسين فيصفهم بالأحباب فيقول رضى الله عنه:
9/47 يتدارس الأحباب فيما بينهم قولى ** وإنــــــى بينهـــــم عطـــــــــــاء
11/27 و لى نظم در و الجواهر منطقى ** وفيهن للراجى النجاة مكاسب
27/32 فتلك أحباء الســـلامة فى اللقــا ** نفائس در عتقت من يصونهــــا و تجده رضى الله عنه يأمرنا و يوجب علينا التدارس فيقول :
6/73 و حق عليكم بعد ما امليته ** ورود صفى تطلبون حقيقة
20/78 فتدارسوها لا قراءة عابر ** مستعبر فيها يفند قولها ثم تجده رضى الله عنه يلوم هاجروا التدارس بلوم كم هو أليم على قلوب المحبين لحضرته فيقول :
6/74 و قلت تدارسوا فالخير جم ** و بيت الله ذا رحب الرحاب
7/74 فلم تتدارسوا لكن جعلتم ** من المنظوم بعضا كالسباب
8/74 فأين تدارس الاحباب قولى ** و أين السعى فى كشف النقاب و يقول أيضا :
41/41 نسيتم بل تناسيتم كلامى ** كأنى بالحقائق قد هزوت فبعد كل ما ذكرنا يمكن ان نصدق أن مولانا الشيخ قد نهانا عن التدارس و الخوض فى علوم الحقيقة لا و الله فان هذا كلام يصعب على العقل و القلب تقبله .
و قد حذرنا مولانا ممن يقولون بهذا القول . فيقول رضى الله عنه :
14/77 عصبوا عيون احبتى عن مشربى ** حتى نسوا ما منه خاف المسلم
17/77 شقت عليهــــــم طاعتى فتعللوا ** يتلمسون مخارجـــــا لا تـــــــرقم هذا عن الشق الاول من طرحك.
اما عن الشق الاخر و المتعلق بكون كلام الصالحين يحتمل عدة اوجه و لو اخذ بظاهره فقط لكانت الاشكالات اكبر .
فانى اوافقك تماما فى قولك هذا .
فقد اخرج البخارى فى صحيحه فى كتاب الانبياء ان سيدنا ابراهيم جاء الى سيدنا اسماعيل فلم يجده( فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ فَقَالَتْ خَرَجَ يَبْتَغِى لَنَا . ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ نَحْنُ بِشَرٍّ ، نَحْنُ فِى ضِيقٍ وَشِدَّةٍ . فَشَكَتْ إِلَيْهِ . قَالَ فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِى عَلَيْهِ السَّلاَمَ ، وَقُولِى لَهُ يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ . فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ ، كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا ، فَقَالَ هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ قَالَتْ نَعَمْ ، جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا ، فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ ، وَسَأَلَنِى كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِى جَهْدٍ وَشِدَّةٍ . قَالَ فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَىْءٍ قَالَتْ نَعَمْ ، أَمَرَنِى أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلاَمَ ، وَيَقُولُ غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ . قَالَ ذَاكِ أَبِى وَقَدْ أَمَرَنِى أَنْ أُفَارِقَكِ الْحَقِى بِأَهْلِكِ . فَطَلَّقَهَا ، وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى ، فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ ، فَلَمْ يَجِدْهُ ، فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ ، فَسَأَلَهَا عَنْهُ . فَقَالَتْ خَرَجَ يَبْتَغِى لَنَا . قَالَ كَيْفَ أَنْتُمْ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ ، وَهَيْئَتِهِمْ . فَقَالَتْ نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ . وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ . فَقَالَ مَا طَعَامُكُمْ قَالَتِ اللَّحْمُ . قَالَ فَمَا شَرَابُكُمْ قَالَتِ الْمَاءُ . فَقَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِى اللَّحْمِ وَالْمَاءِ . قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ » . قَالَ فَهُمَا لاَ يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلاَّ لَمْ يُوَافِقَاهُ . قَالَ فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِى عَلَيْهِ السَّلاَمَ ، وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ ، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ قَالَ هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ قَالَتْ نَعَمْ أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ ، وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ ، فَسَأَلَنِى عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ ، فَسَأَلَنِى كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ . قَالَ فَأَوْصَاكِ بِشَىْءٍ قَالَتْ نَعَمْ ، هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ ، وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ . قَالَ ذَاكِ أَبِى ، وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ ، أَمَرَنِى أَنْ أُمْسِكَكِ .)
فانظر كيف ان سيدنا اسماعيل لم يأخذ كلام ابيه عليهما السلام من ظاهره فقط وانه لو كان فعل لكانت الاشكالات اكبر كما ذكرت .
و لقد كان لنا فى كلام إمام الصالحين سيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم اسوة فى ذلك .
فعندما كان يسمع حضرته من صحابته الكرام كلاما عاديا على اسماع الناس كان يسألهم عن معنى كلمة ما فيأخذونها على ظاهرها فيجيبهم النبى صلى الله عليه و سلم بوجه اخر للكلمة لم يأت على بالهم و ذلك ربما ليعلمنا صلى الله عليه و سلم انه عندما يتكلم الصالحون و اهل العلم الربانى فانهم قد لا يرمون الى معنى الكلام القريب او للفهم المباشر للمعنى و لكن قد يرمون الى ما هو اعمق من ذلك فكلامهم دائما ما يكون حمالا لوجوه عدة .
و نذكر هنا بعض الامثلة على ذلك :
فقد اخرج الترمذى و بن حبان ابى يعلى و الحاكم فى المستدرك عن سيدنا عن عبد الله بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن حسين بن علي بن أبي طالب قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : البخيل الذي من ذكرت عنده فلم يصل علي.
[justify][size=18]و اخرج ابى يعلى فى مسنده عن سيدنا انس بن مالك رضى الله عنه قال : وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على مجلس بني سلمة فقال : (( يا بني سلمة ، ما الرقوب فيكم ؟ )) قالوا : الذي لا ولد له . قال : (( بل هو الذي لا فرط له )) . قال : (( ما المعدم فيكم ؟ )) قالوا : الذي لا مال له . قال : (( بل هو الذي يقدم وليس له عند الله خير )) .
و اخرج الامام مسلم فى صحيحه عن سيدناعبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ما تعدون الرقوب فيكم؟)). قال: قلنا: الذي لا يولد له. قال: ((ليس ذاك بالرقوب، ولكنه الرجل الذي لم يقدم من ولده شيئاً)). قال: ((فما تعدون الصرعة فيكم؟)). قال: قلنا: الذي لا يصرعه الرجال، قال: ((ليس بذلك، ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب)).
و اخرج الامام احمد و الترمذى و بن حبان و مسلم فى صحيحه عن سيدنا أبي هريرة رضى الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أتدرون ما المفلس؟)). قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: ((إن المفلس من أمتي، يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته، قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار)).
و اخرج البخارى فى صحيحه عن سيدنا أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسموا العنب الكرم، ولا تقولوا: خيبة الدهر، فإن الله هو الدهر).
و اخرج ايضا عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ويقولون الكرم، إنما الكرم قلب المؤمن).
و اخرج مسلم فى صحيحه عن سيدنا أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تسموا العنب الكرم، فإن الكرم الرجل المسلم)).
هذا هو ردى على طرحك يا اخى و ارجو المعذرة ان كنت قد اطلت .