الحيرة : هي الغرق في بحار العلم بالله مع دوام النظر الى توالي تجلياته ومعرفته في كل تجل - وهي الغاية التي ينتهي النظر العقلي والشرعي اليها ، وكل سلوك في طريق المعرفة بالله ، والحيرة تزداد بازدياد شدة المحبة في الله كما قال صلى الله عليه وسلم ( اللهم كلما زدتني فيك حبا زدني فيك حيرة على حيرة ) وفي هذا المعنى قال سلطان العاشقين عمر بن الفارض رضي الله عنه :
زدني بفرط الحب فيك تحيرا ........ وارحم حشا بلظى هواك تسعرا
واذا سألتك ان اراك حقيقة ......... فاسمح ولا تجعل جواني لن ترى
ونلاحظ الفرق بين الحيرة والعلم ، فبينما العالم يحيط بالعلم نجد الحيرة تحيط بالحائر ، فالحائر غارق في بحر العلم .
ورجال الحيرة هم الذين نظروا في الدلائل ( الدليل العقلي ، والدليل السمعي ) واستقصوها غاية الاستقصاء الى ان اودي بهم ذلك النظر الى العجز والحيرة من نبي او صديق وفي ذلك قال صلى الله عليه وسلم ( اللهم زدني فيك تحيرا ) فكلما زاده الحق علما به زاده ذلك العلم حيرة ، والحائر تتوالى عليه التجليات باختلاف احكامها فيه فيزيد حيرة لكن فيها لذة ، فكانت حيرة الاولياء باختلاف التجليات أشد من حيرة النظار في معارضات الدلالات فقوله صلى الله عليه وسلم ( زدني فيك تحيرا ) طلب لتوالي التجليات عليه فمن وصل الى الحيرة فقد وصل وفي هذه الحيرة قال سيدنا ابو بكر رضي الله عنه ( العجز عن درك الادراك ادراك ) ، واعلى الحيرة هو حيرة العلم بالله الحق ، وادنى الحيرة هي حيرة العلم بالخلق ، ولتقريب مفهوم الحيرة نعطي مثالا من قبيل التجوز ..
اذا نظرنا الى اسفل من مكان مرتفع نشعر بالدوار كذلك الحيرة دوار عقلي نتج عن محاولة تتبع التجليات الالهية على اتساعها ، فاتساع النجلي علم ولكنه ادى بالخلق الى ( الدوار ) اي الحيرة وبذلك تكون الحيرة الغاية التي يصل اليها العالم بالله والعارف لوجه الحق في كل تجل هذا هو الدوار اي هذه هي الحيرة .
والحيرة على نوعين حيرة مذمومة وهي حيرة النظار واليها اشار الحسين بن منصور الحلاج رضي الله عنه بقوله :
من رامه بالعقل مسترشدا .......... أسرحه في حيرة يلهو
وشاب بالتلبيس أسراره ........... يقول في حيرته هل هو
- انظر ديوان الحلاج ص 102
وحيرة محمودة وهي حيرة أولي الابصار من توالي التجليات الالهية وتتالي البارقات الذاتية واليها الاشارة بقولهم :-
قد تحيرت فيك فخذ بيدي ........... يا دليلا لمن تحير فيكما
وفي معناها قال الامام فخر الدين رضي الله عنه :
وتحير كما السوابق حاروا ............ فله مبدئي وفيه معادي
وقال رضي الله عنه :
فكم من سيد سدنا عليه ........... وكم من عالم قد حار فينا
وقال ايضا :
حارت جميع الانس في كنه كذا ........ في مشربي حارت ملوك الجاني
ولمزيد من البحث نأمل في اقتناء المراجع الآتية : -
( الحكمة في حدود الكلمة ) للدكتورة سعاد الحكيم 357/1
( الفتوحات المكية ) لابن عربي 43،42/4
( مشاهدة الاسرار القدسية ) مشهد الحيرة ص 60 ، 61